Black Hole

لطالما أسرت الثقوب السوداء الخيال البشري بطبيعتها الغامضة والمذهلة، ومنذ اكتشافها قبل أكثر من قرن من الزمان، تساءل العلماء وعشاق الفضاء على حد سواء عما ستكون عليه الرحلة إلى ما بعد نقطة اللاعودة إلى هذه الكيانات الكونية الغامضة، في حين أننا لا نزال نفتقر إلى إجابة محددة لهذا السؤال، فإن محاكاة الكمبيوتر العملاق الجديدة الرائدة من وكالة ناسا توفر لنا أقرب تقريب حتى الآن بناءً على المعرفة العلمية الحالية.

وتقدم المحاكاة، التي طورها عالم الفيزياء الفلكية جيريمي شنيتمان من مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا، سيناريوهين يصوران ما قد تكون عليه المغامرة في احتضان جاذبية الثقب الأسود، وفي أحد السيناريوهات، تتجنب كاميرا محاكاة - تمثل رائد فضاء جريئاً - عبور أفق الحدث، وتختبر تأثير المقلاع الذي يدفعها مرة أخرى إلى الفضاء، وفي السيناريو الآخر، تعبر الكاميرا أفق الحدث، لتختم مصيرها في قلب الثقب الأسود.

وتمتلك الثقوب السوداء، التي تتشكل من بقايا النجوم الميتة الضخمة، قوة جذب شديدة لدرجة أنه حتى الضوء لا يمكنه الهروب إلى ما هو أبعد من آفاق الحدث، وهذا يجعل الجزء الداخلي من الثقب الأسود غير قابل للمراقبة، مما يترك العلماء يعتمدون على النماذج النظرية وعمليات المحاكاة لفهم ما قد يحدث داخله، ومع ذلك، استناداً إلى فهمنا الحالي للفيزياء، فإننا نعلم أن قوى الجاذبية حول أفق الحدث قوية بشكل لا يصدق، وقادرة على تمزيق أي شيء يقترب منه كثيراً.

وزودت التطورات الحديثة في تقنيات الرصد العلماء برؤى غير مسبوقة حول المناطق المحيطة بالثقوب السوداء، وأسفرت حملات التصوير المباشر للثقوب السوداء فائقة الكتلة مثل M87* وSagittarius A* عن بيانات قيمة عن المواد المحيطة، مما سلط الضوء على الديناميكيات المعقدة لهذه الظواهر الكونية.

وتقدم محاكاة شنيتمان، المبنية على ثقب أسود هائل يشبه ثقب القوس A*، لمحة رائعة عن البيئة المحيطة بهذه العمالقة الكونية، وتتجه الكاميرا المحاكية نحو الثقب الأسود، لتكشف عن القرص الدوار للمواد والهياكل المعقدة بداخله، ومع اقترابه، يصبح الزمكان نفسه مشوهاً، ويبلغ ذروته في هبوط مثير وراء أفق الحدث.

واستغرقت عملية المحاكاة، التي أصبحت ممكنة بفضل الكمبيوتر العملاق Discover التابع لناسا، خمسة أيام لتوليد وإنتاج 10 تيرابايت من البيانات، واستخدم شنيتمان وزميله بريان باول هذه البيانات لإنشاء مقاطع فيديو غامرة لمحاكاة رحلة الثقب الأسود، مما يوفر للمشاهدين تجربة آسرة لتشوهات الزمكان التي تحدث بالقرب من أفق الحدث.

وفي حين أن المحاكاة لا تستطيع تقديم إجابات محددة لألغاز الثقوب السوداء، إلا أنها تقدم لمحة محيرة عن بيئات الجاذبية الشديدة الموجودة خارج نطاق فهمنا، وبينما نواصل استكشاف الكون، فإن مثل هذه المحاكاة تكون بمثابة أدوات لا تقدر بثمن لكشف أسرار الكون من كوكبنا الآمن.