في اكتشافٍ رائد، اكتشف الباحثون أن الماء يمكن أن يوجد في شكلين سائلين مختلفين في ظل ظروفٍ قاسية، ويُشكِّل هذا الاكتشاف تحديًا للمعتقدات الراسخة حول خصائص الماء، ويفتح آفاقًا جديدة للتقدم العلمي والتكنولوجي.

وباستخدام الحاسوب العملاق MB-POL، لاحظ العلماء أن الماء ينقسم إلى طورين منفصلين عند ضغط عالٍ (1250 ضغطًا جويًا) ودرجة حرارة منخفضة (حوالي -75 درجة مئوية)، ويتميز أحد الطورين بكثافة عالية، حيث تتراص جزيئات الماء معًا بكثافة، بينما يتميز الطور الآخر بكثافة منخفضة، حيث تتباعد الجزيئات عن بعضها.

ووصف البروفيسور فرانشيسكو بازاني، أستاذ الكيمياء والكيمياء الحيوية في جامعة نيويورك وقائد فريق البحث، هذا الإنجاز بأنه "مثيرٌ حقًا"، وقد وفّرت عمليات المحاكاة، التي استغرقت قرابة عامين لإتمامها، رؤىً غير مسبوقة حول سلوك الماء على المستوى الجزيئي.

ويُعد الماء من أكثر المواد دراسةً على الأرض، ومع ذلك لا يزال يُثير دهشة العلماء، ويُلقي هذا الاكتشاف الضوء على الطبيعة الفريدة للماء، وقد يُحدث ثورة في فهمنا لخصائصه، وقد تُفضي هذه النتائج إلى تطوير سوائل اصطناعية قادرة على تغيير كثافتها في الظروف العادية.

ويمكن أن تكون لهذه السوائل تطبيقات واسعة النطاق، بما في ذلك: تطهير المياه الملوثة، والتطورات في علم الأحياء والطب، والابتكارات في أبحاث الفضاء، وتحول في الفهم العلمي.

ولسنوات، اعتقد العلماء أن للماء حالة سائلة واحدة فقط، وإلا أن هذه النظرة بدأت تتغير في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما اكتشف الباحثون أن البنية المكانية والخصائص الفيزيائية لجزيئات الماء تعتمد على اتجاه دوران ذرة الهيدروجين، وقد كشف هذا عن اختلافات في الخصائص الكيميائية لشكلين مكانيين متشابهين لجزيئات الماء.

واستخدمت الدراسة الأخيرة، التي قادها البروفيسور بازاني، حسابات كمية متقدمة وأساليب تعلم آلي لمحاكاة سلوك الماء في ظل ظروف قاسية، وأكدت النتائج نظريات كانت في السابق مجرد تكهنات، مُقدمةً دليلاً ملموساً على وجود الماء في حالته السائلة المزدوجة.

ولا يُعمّق هذا الاكتشاف فهمنا للماء فحسب، بل يُمهّد الطريق أيضًا لاختراقات علمية وتكنولوجية جديدة، فمن خلال كشف أسرار خصائص الماء الفريدة، يُمكن للباحثين تطوير حلول مبتكرة للتحديات العالمية المُلحّة، بدءًا من الوصول إلى المياه النظيفة ووصولًا إلى استكشاف الفضاء.