Work
في مجتمعنا المعولم الذي يعمل على مدار الساعة، أصبح العمل في نوبات ليلية واقعًا شائعًا لملايين الأشخاص، ورغم أهمية العمل في العديد من القطاعات، إلا أن العمل لساعات غير منتظمة أو حتى وقت متأخر من الليل قد يُلحق ضررًا بالغًا بصحتنا، بدءًا من نظامنا القلبي الوعائي ووصولًا إلى صحتنا النفسية، وقد سلّط الطبيب الروسي مارات فاراخوف الضوء مؤخرًا على المخاطر الصحية الجسيمة المرتبطة بهذا النمط من العمل، بما في ذلك زيادة احتمالية الإصابة بالسكتات الدماغية.
وفي مقابلة مع الموقع الروسي RuNews24، صرّح الدكتور فاراخوف بشكل قاطع: "يُجبر الكثيرون على العمل في نوبات ليلية أو ساعات إضافية، ويمكن أن تُسبب الروتينات اليومية غير المستقرة والإجهاد المفرط أمراضًا خطيرة، مثل السرطان والسكتات الدماغية والجلطات"، ويُؤكد تحذيره على العواقب الوخيمة المحتملة لاضطراب دورة النوم والاستيقاظ الطبيعية.
وتناول الدكتور فاراخوف بمزيد من التفصيل الآليات الكامنة وراء هذه المخاطر الصحية، موضحًا: "يؤدي الاضطراب المستمر في الإيقاعات اليومية إلى اضطرابات في الجهاز العصبي واضطرابات في مستويات الهرمونات في الجسم، ويُعد الموظفون الذين يعملون في نوبات ليلية أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية وأمراض القلب والأوعية الدموية من غيرهم..."، ومن المرجح أن يكون هذا الخطر المتزايد متعدد الجوانب، وينبع من صعوبة تكيف الجسم مع جدول نوم غير طبيعي.
ويمتد التأثير إلى ما هو أبعد من الجهاز القلبي الوعائي. كما أشار الدكتور فاراخوف إلى اضطراب أنماط الأكل الذي غالبًا ما يعاني منه عمال النوبات الليلية: "يُجبر الأشخاص الذين يعملون لساعات طويلة كل يوم أو يعملون في ساعات غير منتظمة على تناول الطعام في أوقات غير منتظمة، وهذا يُعطل عملية التمثيل الغذائي في الجسم، ويسبب زيادة الوزن، ويقلل من حساسية الأنسولين، وقد يؤدي هذا إلى الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، ويفاقم مشاكل الجهاز الهضمي"، ويمكن أن يكون لعدم التوافق بين ساعتنا البيولوجية الداخلية وجدول تناول الطعام عواقب أيضية وخيمة.
وعلاوة على ذلك، شدد الطبيب على الآثار الضارة لجداول العمل غير المستقرة على الصحة النفسية،و حذّر الدكتور فاراخوف من أن "جدول العمل اليومي غير المستقر يزيد من خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية، ويعاني الأشخاص الذين يعملون في نوبات ليلية أو ساعات عمل غير منتظمة من القلق والإرهاق المزمن، وهم أكثر عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة"، ويمكن أن يؤدي الصراع المستمر ضد إيقاعنا اليومي الطبيعي إلى إجهاد مزمن وزيادة التعرض لمشاكل الصحة النفسية.
وتدعم ملاحظات الدكتور فاراخوف أدلة علمية وفيرة، وتؤكد العديد من الدراسات الطبية حقيقة أن العمل ليلاً يُحدث خللاً كبيراً في الساعة البيولوجية للجسم، والمعروفة أيضاً باسم الإيقاع اليومي، وقد ارتبط هذا الخلل بارتفاع مستويات الكورتيزول، هرمون التوتر. ويمكن أن يكون للكورتيزول المرتفع بشكل مزمن سلسلة من الآثار السلبية على الجسم.
ومن أهم عواقب خلل الإيقاع اليومي انخفاض إفراز الميلاتونين، وهو الهرمون الضروري لتنظيم النوم وتعزيز مناعة الجسم، وخاصةً دفاعه ضد الأورام، وقد يُسهم هذا الخلل في إفراز الميلاتونين في زيادة خطر الإصابة بالسرطان الذي ذكره الدكتور فاراخوف.