(NaK)2

في إنجاز رائد، نجح العلماء في إنتاج أبرد جزيء كبير تم رصده على الإطلاق، مما يمثل علامة فارقة في عالم فيزياء الكم، وتم إنشاء الجزيء الغريب، المكون من ذرات الصوديوم والبوتاسيوم مرتبة في تكوين فريد، عند درجة حرارة مذهلة تبلغ 134 نانوكلفن فقط، أي 134 جزءاً من المليار من الدرجة فوق الصفر المطلق، وتم نشر هذا العمل الاستثنائي في 31 يناير في مجلة Nature.

وتلعب الأنظمة فائقة البرودة مثل هذا دوراً حاسماً في تطوير فهمنا لميكانيكا الكم، وفي مثل هذه درجات الحرارة المنخفضة بشكل لا يصدق، يسود السلوك الكمي، مما يسمح للعلماء باستكشاف ظواهر بعيدة المنال، وتُمكِّن هذه الإعدادات فائقة البرودة أيضاً الباحثين من التعامل مع طاقات الجسيمات بدقة، مما يمهد الطريق لعمليات محاكاة كمومية تشكل أنظمة معقدة تتجاوز فهمنا الحالي.

ولكن التحدي يكمن في تحقيق توازن دقيق بين البساطة والتعقيد في هذه التجارب، وفي حين أن الأنظمة الأبسط قد تفشل في التقاط النطاق الكامل للسلوك الكمي، فإن إضافة التعقيد يقدم مجموعة من التحديات الخاصة به، وعادة، يعمل الباحثون مع الذرات أو الأيونات بسبب حالاتها الكمومية التي يمكن التحكم فيها نسبياً، ومع ذلك، تمثل الجزيئات تحدياً أكبر بكثير، حيث تتميز بعدد فلكي من الحالات الكمومية التي تعقد عملية التبريد بشكل كبير.

ولمعالجة هذه المهمة الشاقة، استخدم تاو شي، عالم الفيزياء في الأكاديمية الصينية للعلوم، وفريقه تقنية تبريد متطورة متعددة الخطوات، وبدأ نهجهم بالتبريد بالليزر، وهي طريقة تمتص فيها الذرات الضوء ثم تنبعث منه لتبريد نفسها، وعلى الرغم من فعاليتها بالنسبة للذرات، إلا أن الجزيئات تمثل مجموعة مختلفة من العوائق بسبب تعدد حالاتها الكمومية.

ولم يمتنع فريق تاو شي عن استخدام مزيج من التبريد بالليزر والتلاعب بالموجات الدقيقة للتغلب على هذه العقبات، ومن خلال ربط ذرات الصوديوم والبوتاسيوم فائقة البرودة بشكل ضعيف في جزيئات ثنائية الذرة، وضعوا الأساس لإنشاء هياكل جزيئية أكبر، إلا أن هذه العملية لم تكن خالية من التحديات، ومع ارتباط الذرات، فإنها تسخن، مما يستلزم تقنيات تبريد إضافية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه العقبات، ثابر فريق شي، وحقق في النهاية إنجازاً غير مسبوق يتمثل في إنشاء جزيء مكون من أربع ذرات، ويكمن مفتاح نجاحهم في الموجات الدقيقة التي يتم التحكم فيها بدقة، والتي لم تمنع الجزيئات من التكتل معاً فحسب، بل سهلت أيضاً تكوين الجزيء الجديد المكون من أربع ذرات، ويمتلك هذا الجزيء، المسمى (NaK)2، رابطة كيميائية غير عادية أطول بألف مرة من الروابط الذرية النموذجية.

وإن الآثار المترتبة على هذا الإنجاز بعيدة المدى، وإن القدرة على التعامل مع الجزيئات في درجات حرارة شديدة البرودة تفتح الأبواب أمام عوالم غير مستكشفة من فيزياء الكم، وتبشر هذه النتائج بالتقدم في مجالات مختلفة، بدءاً من الموصلات الفائقة ذات درجة الحرارة العالية وحتى بطاريات الليثيوم الأكثر كفاءة.