كشفت الاكتشافات العلمية الحديثة عن وجود جسمين هائلين متطفلين يقعان على عمق حوالي 3000 كيلومتر داخل باطن الأرض، وهذه النتائج، التي قادها الجيوفيزيائي تشيان يوان من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ساهمت بشكل كبير في تطوير فهمنا للبنية الداخلية للأرض.
ويقع التكوينان الصخريان الضخمان على الحدود بين اللب الخارجي للأرض والوشاح، وهذه الأجسام أكثر كثافة بشكل ملحوظ من المواد المحيطة بها، مما يجعلها تبرز في الدراسات الزلزالية، ومن المثير للاهتمام أن حجم هذه الأجسام فلكي، فهي أكبر بملايين المرات من جبل إيفرست.
وإن مفهوم الأجسام المخفية في أعماق الأرض ليس جديداً تماماً، ومنذ سنوات مضت، بدأ العلماء في استكشاف إمكانية وجود مثل هذه الهياكل لتفسير بعض الحالات الشاذة الجيوفيزيائية، وأحد هذه الحالات الشاذة هو "شذوذ جنوب الأطلسي المغناطيسي"، وهي منطقة يكون فيها المجال المغناطيسي للأرض أضعف بشكل ملحوظ، وتمتد من أمريكا الجنوبية إلى أفريقيا ومن البرازيل إلى زيمبابوي، وقد حير هذا الشذوذ الباحثين بسبب انحرافه الكبير عن قوة المجال المغناطيسي المتوقعة.
وشبهت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا هذا الشذوذ بـ "انبعاج" أو "كدمة" على المجال المغناطيسي للأرض، حيث تشير المناطق المظلمة إلى مناطق الضعف المغناطيسي، ودفع هذا السلوك المغناطيسي الغريب العلماء إلى افتراض وجود أجسام غريبة تؤثر على الديناميكيات الداخلية للأرض.
وتشير النظرية المقترحة حديثاً إلى أن الشذوذ المغناطيسي في جنوب المحيط الأطلسي قد يكون ناجماً عن تأثير هذه الأجسام الضخمة المتطفلة، والتي يُزعم أن كل منها بحجم "ملايين جبل إيفرست"، ويعتقد أن هذه الأجسام تؤثر على العمليات الحرارية داخل الأرض، وبالتالي تعطل حركة المواد المنصهرة، بما في ذلك نواة الحديد السائل المسؤولة عن توليد المجال المغناطيسي للأرض.
وقد أطلق العلماء على هذه الكيانات الأجنبية اسم "المتطفلين"، ويُعتقد أنها بقايا من حدث كوني قديم، ومنذ ما يقرب من 4.5 مليار سنة، خلال المراحل الأولى من تكوين الأرض، من المفترض حدوث اصطدام بكوكب بحجم المريخ، يشار إليه باسم "ثيا"، ولم يؤد هذا التأثير الهائل إلى خلق القمر فحسب، بل ترك وراءه أيضاً شظايا كبيرة مدمجة عميقاً داخل عباءة الأرض وجوهرها.
وقد قدمت التطورات الحديثة في تقنيات قياس الزلازل أدلة ملموسة تدعم هذه الفرضيات، وعندما تجتاز الموجات الزلزالية هذه الأجسام الكثيفة، تنخفض سرعتها بشكل ملحوظ، مما يشير إلى وجود مواد ذات كثافة أعلى من الوشاح المحيط بها، وتتوافق هذه الملاحظة مع الخصائص المتوقعة من هذه الهيئات المتطفلة.
ومن المثير للاهتمام أن البيانات الواردة من المركبة المدارية القمرية GRAIL (مختبر استعادة الجاذبية والمختبر الداخلي) كشفت عن شذوذات كثافة مماثلة داخل قلب القمر، وتشير هذه النتائج إلى أن القمر، مثل الأرض، يحتوي على أجسام كثيفة مسؤولة عن شذوذات الجاذبية القابلة للقياس، ويدعم هذا الارتباط أيضاً النظرية القائلة بأن كلا الجرمين السماويين يشتركان في تاريخ مشترك يشتمل على اصطدام كوني هائل.
وإن اكتشاف هذه الأجسام العملاقة المتطفلة له آثار عميقة على فهمنا لتكوين الكواكب والديناميات الداخلية، وهي تفتح آفاقاً جديدة للبحث في التأثيرات طويلة المدى للاصطدامات الكونية على الأجسام الكوكبية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن فهم دور هذه التكوينات الكثيفة يمكن أن يوفر نظرة ثاقبة لسلوك المجال المغناطيسي للأرض وتغيراته على المقاييس الزمنية الجيولوجية.
ومن المرجح أن تركز الأبحاث المستقبلية على تحسين فهمنا لتكوين هذه الهيئات المتطفلة وطبيعتها الدقيقة، وسيكون التصوير السيزمي المتقدم والتحليل الإضافي لشذوذات الجاذبية أمراً حاسماً في الكشف عن مزيد من التفاصيل حول هذه الهياكل الغامضة، ولن تؤدي هذه المعرفة إلى تعزيز فهمنا للخصائص الجيوفيزيائية للأرض فحسب، بل ستوفر أيضاً معلومات قيمة حول تاريخ وتطور كوكبنا ورفيقه القمري.