كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة تارتو عن ظاهرة مثيرة للاهتمام: قد يكون تلوث الهواء الصناعي مسؤولاً عن تساقط الثلوج محلياً في المناطق المحيطة بمرافق صناعية معينة، ويلقي هذا البحث الضوء على التفاعل بين الهباء الجوي المنبعث من المنشآت الصناعية وخصائص السحب، مما يوضح كيف يمكن للأنشطة البشرية أن تؤثر بشكل مباشر على أنماط الطقس.
وتطلق الصناعات مثل صهر النحاس وإنتاج الأسمنت وتوليد الطاقة بالفحم الهباء الجوي - جزيئات صغيرة صلبة وسائلة - في الغلاف الجوي، وتؤثر هذه الهباء الجوي على فيزياء السحب من خلال زيادة عدد قطرات السحب، مما يغير بدوره كيفية تفاعل السحب مع الإشعاع الشمسي، وفي حين أن تأثير "الإشراق" هذا معروف أنه يقلل من الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى سطح الأرض، فإن النتائج الجديدة تشير إلى تأثير آخر: في ظل ظروف معينة، تجمد الهباء الجوي قطرات السحب السائلة، مما يؤدي إلى تساقط الثلوج.
وباستخدام الرادار الأرضي وصور الأقمار الصناعية، حدد الباحثون أعمدة من الثلج تتساقط في اتجاه الريح من المرافق الصناعية في كندا وروسيا ومناطق أخرى، وفي الوقت نفسه، كشفت بيانات الأقمار الصناعية عن انخفاض الغطاء السحابي في هذه المناطق، مما يؤكد العلاقة بين الهباء الجوي وتساقط الثلوج محلياً.
ويمكن أن تظل قطرات السحب في شكل سائل عند درجات حرارة منخفضة تصل إلى -40 درجة مئوية في عملية تُعرف بالتبريد الفائق، وعندما يتم إدخال الهباء الجوي في هذه السحب شديدة التبريد، فإنها تعمل كمواقع تكوين، مما يسهل تجميد القطرات، وتعمل انبعاثات الحرارة وبخار الماء من العمليات الصناعية على تعزيز هذه العملية بشكل أكبر، مما يتسبب في تكوين الثلوج وتساقطها في المناطق المجاورة.
وتؤكد الدراسة، التي نُشرت في مجلة ساينس، على الحاجة إلى فهم كيفية تأثير أنواع معينة من الهباء الجوي على تكوين الجليد، وفي حين تم ملاحظة هذه التأثيرات محلياً، تظل التداعيات الأوسع نطاقاً على ديناميكيات الغلاف الجوي وأنماط هطول الأمطار غير واضحة، ويهدف الباحثون إلى تحديد ما إذا كانت عمليات مماثلة تحدث على نطاقات أكبر وأي أنواع الانبعاثات الصناعية تحفز تكوين الجليد بشكل أكثر فعالية.
ويسلط هذا الاكتشاف الضوء على التفاعل المعقد بين الأنشطة البشرية وأنظمة الطقس الطبيعية، مما يدعو إلى إجراء بحوث متعددة التخصصات لاستكشاف تداعياتها الكاملة، ومن الضروري إجراء المزيد من التحقيقات لتقييم التأثيرات المحتملة طويلة المدى للهباء الجوي الصناعي على المناخات الإقليمية والعالمية.