Brain
في عالمٍ غالبًا ما تتلاشى فيه حدة الذهن مع التقدم في السن، ينبثق اكتشافٌ مُلهمٌ من آفاق علم الأعصاب: يمكن لعقلك أن يبقى شابًا - بل وينمو - من خلال القراءة، وهذا ليس مجرد اعتقادٍ مُبشّر؛ بل هو حقيقةٌ مدعومةٌ علميًا، بفضل تحليلٍ تلويٍّ رائدٍ ورؤى عالمة وظائف الأعضاء وعلم النفس الشهيرة، البروفيسورة ماريانا بيزروكيتش.
وتُؤكّد البروفيسورة بيزروكيتش أن القراءة تُنشّط 32 منطقةً دماغيةً مُختلفةً، مُنشئةً شبكاتٍ عصبيةً جديدةً ومُعزّزةً لها. تُمكّن هذه العملية، المعروفة باسم اللدونة العصبية، الدماغ من تكوين خلايا وتراكيب جديدة، مما يُبقيه مُتكيّفًا ونشطًا.
ومن المُثير للدهشة أن هذه الفوائد ليست حكرًا على الشباب، ووفقًا للبروفيسورة، فإن قدرة الدماغ على تكوين هذه الروابط الجديدة تستمر حتى لدى الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا، وفي الواقع، كشفت صور حديثة عن تكوين خلايا دماغية جديدة لدى كبار السن من القراء، مما يثبت أن الوقت لم يفت أبدًا لتنشيط العقل.
واستمدت هذه الرؤى من تحليل تلوي شامل أجراه المعهد الألماني للعلوم المعرفية، واستعرضت هذه الدراسة 163 ورقة بحثية فردية، تغطي مجموعة واسعة من الأنشطة المتعلقة بالقراءة - من التعرف على الكلمات الحقيقية و"الكلمات الزائفة" غير المنطقية إلى القراءة بصوت عالٍ أو صامت، وبلغات متعددة.
تشمل النتائج الرئيسية للدراسة ما يلي:
يشارك نصفا الدماغ بنشاط في القراءة، على الرغم من اختلاف أدوارهما.
يتولى النصف الأيسر من الدماغ بشكل أساسي معالجة الدلالات، وفهم معنى الكلمات والجمل.
يدعم النصف الأيمن مهامًا لغوية أوسع نطاقًا مثل النبرة والإيقاع والسياق.
من المثير للدهشة أن المخيخ، الذي كان يُعتقد سابقًا أنه يقتصر على التحكم الحركي، يلعب دورًا هامًا في النطق - سواءً بصوت عالٍ أو داخليًا (عندما نقرأ بصمت).
يشارك المخيخ أيضًا في جميع جوانب نشاط الكلام تقريبًا، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في عملية القراءة.
ومن أعمق الأفكار التي طرحها البروفيسور بيزروكيتش: البشر ليسوا مبرمجين وراثيًا على القراءة، فعلى عكس اللغة أو المشي، لا يمتلك الدماغ وحدة قراءة مخصصة، بل القراءة مهارة مكتسبة - إنجاز عصبي نبنيه بأنفسنا، وهذه الطبيعة الذاتية للقراءة هي ما يجعلها قوية جدًا، فمع كل كتاب جديد أو نص معقد، يُكثف الدماغ نشاطه، ويعيد هيكلة نفسه في هذه العملية، وبهذه الطريقة، لا تصبح القراءة مجرد تمرين عقلي، بل تمرينًا عصبيًا.
ويحذر البروفيسور بيزروكيتش من أن القراءة تُحفز مرونة الدماغ، بينما قد ينغمس الدماغ في مهام رتيبة وغير مُلهمة، مما قد يُسبب خمولاً، فبدون تحفيز، يتوقف نمو الدماغ، وقد يتسارع التدهور المعرفي، ومن ناحية أخرى، تُحافظ القراءة المُنتظمة - وخاصةً للنصوص المُعقدة والمُحفزة للتفكير - على ديناميكية الدماغ وتطوره، مما يُوفر حماية معرفية طويلة الأمد، بل وفرصة لتجديد نشاطه.
والقراءة أكثر من مُجرد هواية أو مهارة أكاديمية، إنها أداة فعّالة مدعومة علمياً للحفاظ على وظائف الدماغ وتعزيزها في أي عمر، وسواءً كنت في العشرين أو الثمانين من عمرك، فإن قراءة كتاب تعني أنك تُبني خلايا الدماغ، وتُعزز المسارات العصبية، وتُحافظ على صحتك المعرفية.