Climate

تتصارع أوروبا مع واقع لاذع ــ الارتفاع المستمر في درجات الحرارة الشديدة التي تدفع الجسم البشري إلى أقصى حدوده، ويرسم تقرير حالة المناخ الأوروبي لعام 2023، وهو جهد مشترك بين لجنة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، صورة مثيرة للقلق.

وكان عام 2023 بمثابة علامة فارقة باعتباره العام الأكثر سخونة على الإطلاق في جميع أنحاء أوروبا، كما وصلت درجات حرارة سطح البحر إلى مستويات غير مسبوقة، مما ساهم في العبء الحراري الإجمالي، ويثير التقرير قضية مثيرة للقلق بشكل خاص: الزيادة الكبيرة في حالات "الإجهاد الحراري الشديد"، ويدل هذا المصطلح العلمي على عجز جسم الإنسان المتزايد عن مواجهة الحرارة الشديدة، ويحذر الخبراء من أنه من المتوقع أن يتفاقم هذا الاتجاه في المستقبل، مما يشكل تهديدا خطيراً على صحة الإنسان.

وبحسب ما ورد، فوجئ المجتمع العلمي نفسه بـ "شدة وسرعة ظهور ومدى ومدة" بعض الأحداث المناخية في عام 2023، وهذا يؤكد الوتيرة المتسارعة لتغير المناخ والطبيعة غير المتوقعة لعواقبه، والسبب وراء هذه الحقيقة الحارقة واضح: الملوثات التي تحبس الحرارة في الغلاف الجوي، وقد دفعت هذه الملوثات درجات الحرارة الأوروبية إلى مستويات قياسية، حيث شهدت بعض المناطق أعلى درجات الحرارة أو ثاني أعلى درجات الحرارة الموثقة على الإطلاق.

وإن التكلفة البشرية لهذه الحرارة الشديدة صارخة، ويكشف التقرير عن ارتفاع مثير للقلق بنسبة 30% في الوفيات المرتبطة بالحرارة في جميع أنحاء أوروبا على مدى العقدين الماضيين، وتسلط هذه الإحصائية القاتمة الضوء على التهديد المباشر الذي تشكله الحرارة الشديدة، وخاصة بالنسبة للفئات السكانية الضعيفة، ومن المؤسف أن أوروبا تتميز بكونها القارة الأسرع ارتفاعاً في درجات الحرارة على مستوى العالم، ويؤدي هذا الارتفاع السريع في درجات الحرارة إلى خلق وضع خطير بالنسبة لكل الأوروبيين، ولكن بشكل خاص بالنسبة للعاملين في الهواء الطلق، وكبار السن، وأولئك الذين يعانون من ظروف صحية موجودة مسبقاً.

وتعد موجة الحر في يوليو 2023 بمثابة مثال صارخ على المخاطر التي تشكلها الحرارة الشديدة، وتم دفع 41٪ من جنوب أوروبا إلى منطقة "الإجهاد الحراري القوي أو القوي جداً أو الشديد" خلال هذا الحدث - وهي أكبر منطقة على الإطلاق تشهد مثل هذه الظروف في يوم واحد، وتؤثر هذه الحرارة الشديدة بشكل غير متناسب على السكان الضعفاء، مما يؤدي إلى ارتفاع حالات ضربة الشمس والجفاف والأمراض الأخرى المرتبطة بالحرارة.

وإن فهم التأثير الحقيقي للحرارة على صحة الإنسان يتجاوز مجرد درجة الحرارة، ويؤكد التقرير على أهمية "الإجهاد الحراري"، وهو مقياس يجمع بين عوامل مثل درجة الحرارة والرطوبة واستجابة الجسم لخلق درجة حرارة "تشعر بها"، ويوفر تحليل الإجهاد الحراري رؤى قيمة حول التأثير الحقيقي للحرارة على صحة الإنسان.

وشهد عام 2023 عدداً غير مسبوق من الأيام التي شهدت "إجهاداً حرارياً شديداً"، مع زيادة مثيرة للقلق في أيام "الإجهاد الحراري الشديد" أيضاً، ويتنبأ الخبراء بمستقبل يتسم بتكثيف الظواهر الجوية المتطرفة، مع تقلبات أكثر حدة بين الظروف الحارة والجافة والرطبة، وهذا يشكل تحديا كبيرا للتكيف والتأهب.

ومع ذلك، يقدم التقرير أيضاً بصيصاً من الأمل، ولقد خطت أوروبا خطوات واسعة نحو مستقبل أكثر استدامة، ويتم الآن الحصول على مستويات قياسية من توليد الكهرباء (43٪) من الموارد المتجددة، مما يدل على التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة، وبالإضافة إلى ذلك، شهد عام 2023 زيادة في هطول الأمطار بنسبة 7٪ مقارنة بالمستويات المتوسطة، ويشير هذا إلى صورة معقدة لتغير المناخ، حيث تعاني بعض المناطق من حرارة شديدة بينما قد تشهد مناطق أخرى زيادة في هطول الأمطار.