في اكتشاف رائع يعد بإعادة كتابة فهمنا لتكوين الكواكب، عثر العلماء على بقايا كوكب مفقود منذ فترة طويلة مدفوناً في أعماق قشرة الأرض ومتشابكاً داخل نسيج القمر، وهذه النتائج، التي تم الكشف عنها من خلال التحليل الدقيق وتكنولوجيا استكشاف الفضاء المتقدمة، تلقي ضوءاً جديداً على التاريخ المضطرب لنظامنا الشمسي وتقدم أدلة محيرة حول أصول الرفيق السماوي للأرض.
وينبع هذا الاكتشاف الرائد من تقارب البيانات التي تم جمعها من مصادر مختلفة، بما في ذلك المركبة الفضائية لاستعادة الجاذبية والمختبر الداخلي (GRAIL) التابع لناسا والدراسات الزلزالية التي أجريت على الصفائح التكتونية للأرض، وكشفت التحقيقات الأخيرة عن "نقط" كثيفة وضخمة تقع داخل الصفائح التكتونية لأفريقيا والمحيط الهادئ، مما يشير إلى سر سماوي مخفي تحت سطح كوكبنا.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية الموقرة، فإن هذه الألغاز الكثيفة تعكس اكتشافاً موازياً على القمر، حيث كشفت عمليات رصد المركبة الفضائية GRAIL عن رواسب واسعة من خام الحديد والتيتانيوم مدفونة عميقاً تحت القشرة القمرية، ومن اللافت للنظر أن هذه الرواسب القمرية تحمل أوجه تشابه مذهلة مع بقايا الكواكب المكتشفة، مما يشير إلى وجود علاقة عميقة بين الجرمين السماويين.
ويعود نشأة هذا الوحي إلى فرضية قديمة تتعلق بتكوين قمر الأرض، ولقد تكهن العلماء منذ فترة طويلة بأن القمر ولد من اصطدام كارثي لكوكب أولي بحجم المريخ، يُطلق عليه اسم ثيا، مع الأرض الناشئة منذ حوالي 4.5 مليار سنة، وأدى هذا الصدام الكوني إلى تحطيم ثيا إلى شظايا نارية، اندمجت بعضها لتشكل القمر، بينما اختلط بعضها الآخر بالنسيج الجيولوجي للأرض.
والدراسة الحديثة، التي نشرت تفاصيلها في مجلة Nature Geoscience، بحثت في شذوذ الجاذبية الكامنة تحت سطح القمر الهادئ، وباستخدام بيانات من أجهزة استشعار المركبة الفضائية GRAIL، حدد الباحثون جيوباً كثيفة من المادة مخبأة داخل الوشاح القمري، بما يتوافق مع بقايا ثيا، وتوفر هذه النتائج أدلة دامغة تدعم نظرية الاصطدام الأسطورية، مما يعزز فهمنا لولادة القمر المضطربة.
وعلاوة على ذلك، فإن اكتشاف حالات شاذة مماثلة تحت قشرة الأرض يضيف طبقة أخرى من الغموض إلى هذه الملحمة السماوية، وتقع هذه المناطق الغامضة، التي يطلق عليها اسم المقاطعات الكبيرة منخفضة السرعة (LLVPs)، أسفل الصفائح التكتونية لأفريقيا والمحيط الهادئ، وتظهر على شكل جيوب كثيفة وغير عادية تم اكتشافها بواسطة المعدات الزلزالية، وقد لاحظ الجيولوجيون تباطؤاً كبيراً في الموجات الزلزالية التي تعبر هذه المناطق، وهي ظاهرة متميزة عن الأجزاء الأخرى من وشاح الأرض.
ويقدم الارتباط بين هذه LLVPs والرواسب القمرية لمحة محيرة عن الترابط بين الأجرام السماوية داخل نظامنا الشمسي، وهو يشير إلى تاريخ مشترك، حيث تبقى بقايا الاصطدامات القديمة كشهود صامتين على الاضطرابات الكونية البدائية، ويتردد صدى آثار هذه الاكتشافات عبر تخصصات متعددة، بدءاً من علوم الكواكب وحتى الفيزياء الفلكية وما وراءها.
وهي تدعونا إلى إعادة النظر في العمليات الديناميكية التي شكلت جارنا الكوني، مما يثير أسئلة جديدة وسبل الاستكشاف، وبينما يواصل العلماء كشف الألغاز المخفية داخل الأرض والقمر، يظل هناك شيء واحد واضح: قصة رفاقنا السماويين الاخرين هي أكثر تعقيداً وتشابكاً بكثير مما تخيلنا، وفي أعماق المكان والزمان، تتردد أصداء الاصطدامات القديمة، تاركة بصمات لا تمحى على نسيج وجودنا الكوني.