Moon

لقرون، أسر القمر خيال الإنسان كجار سماوي ومنارة في سماء الليل، وأما الآن، فإن احتمال تجاوز مجرد المراقبة لاستخراج موارده بفعالية يتحول بسرعة من خيال علمي إلى طموح ملموس، وكما صرّح يوري بوريسوف، رئيس وكالة الفضاء الروسية، فقد انطلق سباق جديد لاستكشاف وتطوير ثروات القمر الكامنة، مدفوعًا بإمكانية التقدم العلمي واستكشاف الفضاء المستدام.

وفي حين قد يبدو القمر قاحلًا من بعيد، تكشف البيانات العلمية، وخاصةً من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، عن مخزون كبير من الموارد القيّمة المحتملة على سطحه وداخل بنيته، وتحمل هذه الكنوز القمرية مفتاح تمكين البعثات القمرية طويلة الأمد، وتحفيز السفر بين الكواكب، بل والمساهمة في التقدم هنا على الأرض.

ولعل أكثر الموارد انتشارًا على القمر هو الريجوليث، وتُغطي هذه الطبقة من الصخور المكسرة والغبار سطح القمر بأكمله تقريبًا، طبيعته الحبيبية الدقيقة تجعله مادة بناء متعددة الاستخدامات، وفي المستوطنات القمرية المستقبلية، يمكن أن يكون الريجوليث مفيدًا في بناء الموائل ومنصات هبوط المركبات الفضائية وحتى الطرق، مما يوفر مادة متوفرة بسهولة ومحلية المصدر لتطوير البنية التحتية.

وتحت السطح المغبر، وخاصة في المناطق المظللة بشكل دائم في القطب الجنوبي للقمر، يكمن مورد حيوي آخر: الجليد المائي، وتعمل ناسا بنشاط على تطوير تقنيات بهدف طموح يتمثل في معالجة ما لا يقل عن 15 طنًا متريًا من هذا الجليد بحلول عام 2030، والهدف الرئيسي هو تحليل هذا الجليد المائي كهربائيًا إلى مكوناته الأساسية: الأكسجين والهيدروجين.

وهذه العناصر ضرورية لاستدامة الحياة البشرية على القمر، حيث توفر هواءً صالحًا للتنفس ومياه شرب، وعلاوة على ذلك، يُعد الهيدروجين والأكسجين من مصادر الدفع الصاروخي القوية، مما يجعل الموارد المشتقة من القمر ضرورية لتزويد المركبات الفضائية بالوقود وتسهيل استكشاف الفضاء بشكل أعمق.

وفي حين أن الهيدروجين نفسه يُعد وقودًا قيمًا ومكونًا رئيسيًا للماء، إلا أنه نادر نسبيًا في شكله الأولي على القمر، وإن استخراج حتى كمية متواضعة من الماء من خلال مزيج من الهيدروجين والأكسجين القمري سيكون عملية كثيفة الاستهلاك للطاقة، حيث تتطلب معالجة ما يقرب من 100 حمولة شاحنة من الريجوليث مقابل لتر واحد فقط من الماء، وهذا يسلط الضوء على أهمية رواسب الجليد المائي المتاحة بسهولة أكبر.

وإلى جانب المواد المادية، يتميز القمر بمصدر طاقة وفير للغاية: الطاقة الشمسية، ومع عدم وجود غلاف جوي لتصفية أشعة الشمس، يتلقى سطح القمر إشعاعًا شمسيًا ثابتًا وكثيفًا، وإن التكنولوجيا اللازمة لتسخير هذه الطاقة متقدمة بالفعل، حيث كانت مهمة لونا 9 التابعة للاتحاد السوفيتي في عام 1966 أول استخدام ناجح للطاقة الشمسية على القمر، وستكون هذه الطاقة المتاحة بسهولة حاسمة لتشغيل القواعد القمرية وعمليات استخراج الموارد.

ومع ذلك، في حين يمكن تسخير الطاقة الشمسية بسهولة، فإن التقنيات اللازمة لاستخراج المعادن والجليد المائي بكفاءة من القمر لا تزال في مراحلها التطويرية، وعلى الرغم من ذلك، تُحرز وكالات الفضاء الوطنية المختلفة، بما في ذلك ناسا، وروسكوزموس، ووكالة الفضاء الأوروبية، وإدارة الفضاء الوطنية الصينية، ومنظمة أبحاث الفضاء الهندية، تقدمًا ملحوظًا، وعلاوة على ذلك، يتزايد عدد المشاريع التجارية التي تشارك بنشاط في تطوير أساليب مبتكرة لاستخراج الموارد القمرية، مما يُشير إلى التزام عالمي بإطلاق العنان لإمكانات القمر.




إقراء إيضاً : كويكب قاتل يهدد القمر والأرض في موعد قريب !.. متابعة القراءة