Missing Material

لعقود، واجه علماء الكونيات لغزًا عميقًا: أين توجد غالبية المادة "العادية" في الكون؟ تُشكل النجوم والمجرات وكل ما يُمكننا رصده مباشرةً 15% فقط من إجمالي كتلة الكون، أما الـ 85% المتبقية، فتُعزى إلى المادة المظلمة والطاقة المظلمة، ولكن حتى في نطاق المادة العادية المرئية، ظل جزء كبير - حوالي النصف - بعيد المنال، كظلٍّ كونيٍّ غامض.

والآن، يعتقد فريق دولي من علماء الفلك أنهم ربما لمحوا أخيرًا هذه المادة المفقودة، ويكمن مفتاح الحل في سُحب غاز الهيدروجين الشاسعة، التي لم تُقدَّر حق قدرها سابقًا، المحيطة بالمجرات، وبقيادة الباحثة سيمون فيرارو من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، استخدم الفريق بيانات من جهاز التحليل الطيفي للطاقة المظلمة القوي (DESI) لإلقاء نظرة خاطفة على الأطراف الخافتة لحوالي سبعة ملايين مجرة.

وكشف تحليلهم، المنشور على خادم arXiv قبل الطباعة، أن هذه الهالات المجرية من غاز الهيدروجين المؤين أوسع بكثير مما كان يُعتقد سابقًا، وهذه الخزانات الهائلة من الهيدروجين، والتي لا يمكن رصدها بأساليب الكشف التقليدية، قد تُشكل المادة الطبيعية المفقودة التي استعصت على علماء الفلك لفترة طويلة.

ولم يرصد الباحثون هذه الهالات الخافتة مباشرةً في الضوء المرئي، بل حللوا ببراعة أنماط الامتصاص الدقيقة المطبوعة على الإشعاع المتبقي من الانفجار العظيم - الخلفية الكونية الميكروية - أثناء مروره عبر هذه الأغلفة الغازية، ومن خلال الدراسة الدقيقة لكيفية تأثر هذا الضوء القديم، تمكنوا من استنتاج وجود الهيدروجين، الذي كان غير مرئي لولا ذلك، ومدى انتشاره.

وتشير نتائجهم إلى أن هالات الهيدروجين المتوسعة هذه مترابطة، مُشكلةً شبكة كونية شاسعة - بنية خيطية من المادة تتخلل الكون، وهذا الترابط يُعزز فرضية أن هذه السحب هي مخبأ المادة الباريونية المفقودة، ومن المثير للاهتمام أن البحث يُلقي ضوءًا جديدًا على دور الثقوب السوداء الهائلة في مراكز المجرات، واقترحت نظريات سابقة أن هذه الثقوب العملاقة أطلقت كميات هائلة من الغاز خلال مراحل نشاطها المبكرة.

ومع ذلك، تُقدم النتائج الجديدة صورة أكثر دقة، وتشير البيانات إلى أن الثقوب السوداء قد تعمل في دورات نشاط أكثر تواترًا وتقطعًا، مما يؤدي إلى توزيع أوسع وأكثر تشتتًا لغاز الهيدروجين في جميع أنحاء هالات المجرة، وقد سلطت الباحثة بوريانا هادزيسكا الضوء على هذا الأمر، مشيرةً إلى أن فكرة "تشغيل الثقوب السوداء وتوقفها" في دورات متقطعة لم تُحسب سابقًا تُمثل جانبًا رئيسيًا من نتائجهم.

وتتمثل الخطوة الحاسمة التالية للباحثين في دمج هذه الثروة من البيانات الجديدة في النماذج الكونية الحالية، وأكدت هادزيسكا على الاهتمام الكبير داخل المجتمع العلمي بالاستفادة من هذه القياسات لإجراء تحليلات أعمق، وللوصول إلى فهم أشمل لتوزيع وطبيعة هذا الغاز المفقود الذي يصعب اكتشافه.

ويُمثل هذا الاكتشاف الرائد إنجازًا هامًا في علم الكونيات، وهو لا يقدم تفسيرًا مقنعًا للغموض القديم المتعلق باختفاء المادة الطبيعية فحسب، بل يفتح أيضًا آفاقًا جديدة ومثيرة لفهم التركيب والبنية الأساسية للكون، وهو بمثابة تذكير قوي بأنه حتى في ظل فهمنا المتقدم للكون، لا تزال هناك أسرار عميقة كامنة، تنتظر أدوات مبتكرة وعقولًا بارعة لكشفها - وفي هذه الحالة، يبدو أن غاز الهيدروجين قد يحمل أحد أهم مفاتيحها.



إقراء إيضاً : مهندسون روس يطورون مفاعلاً ضوئياً حيوياً لدعم الحياة على القمر والمريخ.. متابعة القراءة