Mosquito

تُعتبر أيسلندا شذوذًا غريبًا على الخريطة العالمية، فهي أرض تشتهر بمناظرها الطبيعية الخلابة من النار والجليد، ولكن ربما الأبرز من ذلك، بغياب البعوض الواضح فيها، فبينما تُهدّد هذه الحشرات المزعجة الطنانة واللاذعة كل ركن من أركان الأرض تقريبًا، تُقدّم أيسلندا حياةً فريدةً خاليةً من البعوض، وهي ظاهرةٌ تُثير الدهشة والبحث العلمي.

ولا يُعزى غياب البعوض في أيسلندا إلى برنامج إبادة مُكثّف أو استخدام واسع النطاق للمبيدات الحشرية، بل هو نتيجةٌ مُباشرةٌ لظروفها البيئية الفريدة، وترتبط دورة حياة البعوض، كغيره من الحشرات، ارتباطًا وثيقًا بدرجة الحرارة، ويمرّ البعوض بأربع مراحل مُتميّزة: البيضة، واليرقة، والشرنقة، والحشرة البالغة.

ولكي تتقدّم هذه المراحل بنجاح، وخاصةً نموّ اليرقات في الماء، لا بدّ من نطاقاتٍ حرارية مُحدّدة، ومناخ أيسلندا، الذي يتّسم بشتائه الطويل القارس وصيفه القصير البارد، قاسٍ للغاية بحيث لا يسمح بإكمال هذه الدورة البيولوجية، وتبقى الأرض باردة جدًا لفترة طويلة، مما يمنع فقس البيض ونمو اليرقات، مما يكسر فعليًا سلسلة التكاثر.

ويقدم تفسير العالم كزافييه إسبادالر جيلابيرت للنمل رؤية مماثلة لمعضلة البعوض، ويشير إلى أن النمل عادةً ما يعشش على الأرض، لكن تربة أيسلندا الباردة باستمرار تعيق قدرة الحشرات على وضع البيض ونمو يرقاتها، وينطبق المبدأ نفسه على البعوض؛ فالبرد يمنع مرحلة اليرقات المائية من النمو، حتى لو وصل البعوض البالغ إلى أيسلندا، ربما كمتسللين على متن طائرات أو سفن، فسيكون من شبه المستحيل عليه تكوين مجتمع مكتفٍ ذاتيًا نظرًا للظروف القاسية لصغاره.

وفي حين أن المقال يذكر أيضًا ندرة النمل في أيسلندا، فإن التركيز على البعوض يُبرز مكانة بيئية مميزة، وإن غياب هذه الحشرات، التي عاشت لأكثر من 90 مليون عام وتنتشر في كل مكان حول العالم، بشكل شبه كامل في أيسلندا يُبرز التأثير العميق للمناخ على التنوع البيولوجي.

وهذا لا يعني أنه قد لا تُرى نملة أو بعوضة واحدة في أيسلندا؛ بل تُقر المقالة بأن وجودها "نادر للغاية" وأنها قد تستفيد أحيانًا من دفء المنازل البشرية، ومع ذلك، فإن هذه الحالات المعزولة لا تُعادل وجود مجموعة برية مزدهرة قادرة على إكمال دورات حياتها في الهواء الطلق.

وفي جوهرها، يُعد خلو أيسلندا من البعوض دليلاً على التوازن الدقيق للطبيعة والدور القوي للعوامل البيئية في تشكيل توزيع الأنواع، وهي تُقدم دراسة حالة رائعة في علم الحشرات والبيئة، تُظهر كيف يُمكن حتى لأكثر الحشرات انتشارًا ومرونة أن تُحاصر بسبب الحاجز الهائل للمناخ القاسي، وبالنسبة لأولئك الذين يخشون سيمفونية الصيف من طنين الأجنحة ولدغات النمل، تظل أيسلندا ملاذًا فريدًا وجذابًا حقًا.




إقراء إيضاً : ماهي المعادن التي تتنافس الدول للحصول عليها من القمر ؟.. متابعة القراءة